كثيرا ما نقول في مواقف مختلفة ان فلان او فلانه لديه الحاسة السادسة دون ان نحدد تماما ماذا نعني او يختلف كل منافي تفسير مثل هذه الظاهره , إذا ما هي هذه الحاسة السادسة؟ وعلى أي أساس نحكم أن فلان لديهالحاسة السادسه؟ فهل هي قدرات خاصة , أم موهبة , أم احساس , أم توارد خواطر أم ماذا؟
الحاسة السادسة أهي حقيقة أم أكذوبه؟!
.
لماذا يرى بعض الناس ويسمعون ما لا يراه أو يسمعه غيرهم؟ لماذا تمد يدك إلى الهاتف تطلب صديقا فتجده يطلبك، لماذا وأنت تسير تتذكر صديقا فإذا بك تراه، لماذا تشعر الأم الغارقة في النوم، بأن صغيرها الرضيع النائم في غرفة أخرى يوشك أن يقع من السرير فتذهب إليه قبل أن يقع فعلا، لماذا إذا أتوا بكلبة وأخذوا أولادها في غواصة بعيدة عنها عشرات الكيلومترات ثم راحوا يغرسون الدبابيس في أجسام الصغار فتنتفض الأم على الشاطئ.
لقد رصدت جامعة كمبريدج مليون جنيه لأحد الباحثين ليدرس هل هناك حاسة سادسة، هل هذا صحيح، ولكن لماذا؟ ما الذي في العقل يجعل الإنسان شعر بما لا يشعر به غيره، ولماذا بعض العميان يتفادون الاصطدام بأشياء لا يرونها لماذا الأعمى عنده بصيرة؟!
يصف د. ممتاز عبدالوهاب أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة القاهرة ورئيس مجلس ادارة الجمعية المصرية للصحة النفسية وزميل الجمعية الأميركية للطب النفسي الحاسة السادسة بأنها استشعار خارج الحواس وله أشكال متعددة منها الجلاء البصري والسمعي ومنها ما هو مقترن بالحواس، والحاسة السادسة وهي نوع من أنواع التخاطر عن بعد وهي حالة لا إرادية ولا تخضع لمسببات مباشرة ولا علاقة لها بصفة اجتماعية أو نفسية ولا تخضع لسن محددة ولكنها تظهر في موقف معين تحت ما يسمى بالاستشعار الحسي اللاإرادي أو الاستشعار خارج الحواس.
.
ويضيف قد يوجد في الأشخاص البسطاء وأيضا عند العباقرة وفي الأطفال والكبار وفي الرجال والنساء وهذه الحاسة ليس لها علاقة بالانسان المصاب بداء هوس
وهو الاحساس بالعظمة التي تصل الى حد الضلال لدرجة أنه يتصور أنه نبي مرسل أو هادٍ للبشر أو أنه مخترع ومبتكر وأنه قادر على حل مشاكل الآخرين.
يؤكد د. ممتاز عبدالوهاب أن الاتصال الروحي في لحظة ما عندما يخطر على بال الانسان فجأة بذكره انسان ما أو عمل يجب أن يقوم به أو استفسار أو حل أزمة أو معرفة حقيقة معينة أو استشارة الآخرين فقد يفاجأ بوجود الطرف الآخر الذي يسعى اليه ويفكر فيه ويجده أمامه وهو نوع من التخاطر الروحي وغالبا ما يكون صاحبه صادقا شفافا في معاملاته وقد حاول الكثير من العلماء في شتى الأوساط العلمية العالمية دراسة هذه الظواهر وخضوعها للتجارب وثبتت صحتها وتأكد وجودها ولكن الطريق ما زال طويلا لمعرفة المزيد من أسرارها للاستفادة منها لخدمة الانسان.
من المعروف أن هناك بعض الأفراد لديهم احساس داخلي ينتاب الانسان ويجعله متصورا لما حدث وليس لديه تفسير عقلي أو عملي لهذا الاحساس وقد تصدق هذه الأحاسيس ويتحقق هذا التوقع وقد يخيب ولكن اذا صادق وصدق احساس الانسان فإن هذا يزيد من إيمانه.
وهذا أحد صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينظر إلى امرأة في الطريق فتعجبه فيطيل النظر إليها ، ثم يدخل هذا الصحابي على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه فيبادره بقوله : أما يستحى أحدكم أن يدخل على أمير المؤمنين وفى عينيه آثار الزنا؟ فيتعجب الصحابي من معرفة سيدنا عثمان لذلك بالرغم من أن أحداً لم يره ، فبادر سيدنا عثمان بقوله : أوحى أُنزل بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قول له سيدنا عثمان : اتق فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله. وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري قول النبي _صلى الله عليه وسلم_: ” اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله “.
هل الفراسة هي الحاسة السادسة؟
لا , وتعرف الفراسة اصطلاحا على أنها الاستدلال بالأحوال الظاهرة على الأخلاق الباطنة، ويعرفها البعض على أنها معرفة أخلاق وطباع وأحوال البشر دون اتصال
مباشر بهم أو معرفة الأمور من نظرة.
هل البصيرة هي الحاسة السادسة؟
وقد خاطب الله الإنسان في أكثر من موقع قال تعالى”وفي أنفسكم أفلا تبصرون” وتفسير الآية يحمل في طياته أن التبصر أعلى مراحل الوعي عند الإنسان لا تتحقق إلا إذا وصل درجة من العقل ترقي به إلى الملاحظة والاستنتاج والاستدلال والتحليل وفي الحياة العامة نلاحظه عند عامة الناس.
إن كثيراً من المآسي تكون نتيجة هذه الهوة العميقة بين البصر والبصيرة بين رؤية الشيء والقدرة على إدراكه والصبر في تحليله ووسيلة التعبير عن هذا الشعور نحوه بالقول أو الفعل.
البصيرة هي الحجة والاستبصار في الشيء في قوله تعالى( بل الإنسان على نفسه بصيرة) ونفاذ البصيرة يعني قوة الفراسة وشدة المراس وقوة الحنكة والقدرة على تخطي العقبات الحالية بالخيرات السباقة المتراكمة بتطويعها وترويضها والاستفادة منها في رؤية حلول لمشاكل جديدة.
كيف تعمل البصيرة في قلب المؤمن؟
إن عمل البصيرة الإيمانية في قلب المؤمن كعمل كشاف ضوء منير في وسط ظلمة حالكة، فهي التي تكشف الأشياء على حقيقتها فيراها المؤمن كما هي، ولا يراها كما زينت في الدنيا ولا كما زينها الشيطان للغاوين ولا كما زينها هوى النفس في الأنفس الضعيفة.
يقول الله _سبحانه_: ” أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله..” (الزمر: 22)
ويقول سبحانه: ” أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها” ( الأنعام122).
يقول الإمام ابن القيم: ” أصل كل خير للعبد – بل لكل حي ناطق – كمال حياته ونوره، فالحياة والنور مادة كل خير.. فبالحياة تكون قوته وسمعه وبصره وحياؤه وعفته.. كذلك إذا قوي نوره وإشراقه انكشفت له صور المعلومات وحقائقها على ما هي عليه فاستبان حسن الحسن بنوره وآثره بحياته وكذلك قبح القبيح ” (إغاثة اللهفان 1/24).
فما يكاد نور القرآن ونور الإيمان يجتمعان حتى لكأن النور الهادئ الوضيء يفيض في غمر حياة المرء كلها ويفيض على المشاعر والجوارح، وينسكب في الحنايا والجوانح، تعانق النور، وتشرفه العيون والبصائر، فيشف القلب الطيب الرقراق، ويتجرد من كثافته ويتحرر من قيد العبودية غير عبودية الله الكبير المتعال، فإذا القلب المؤمن المبصر غاية في القوة والثبات وغاية في الطاعة والإخبات وغاية في التضحية والبذل بكل المتاع الزائل.
نعود للحاسة السادسة…قد يتحكم الانسان في بعض الأمور الخاصة مثل رفضه لمشروع ما دون سبب واضح فهو يشعر باحساس بعدم الراحة وقد تتحكم الحاسة السادسة في علاقة الانسان بالآخرين فأحيانا ما يكون الانطباع الأول عن الانسان هو ما يحكم العلاقة المستقبلية مع هذا الانسان وأحيانا أن هذا الانطباع الأول كثيرا ما يثبت خطأه ويثبت العكس مع الأيام بأن هذا الانسان الذي أصدرنا عليه حكما بأننا لم نشعر معه بالراحة النفسية في أول لقاء بدا لنا مع الأيام أنه يتمتع بميزات وقيم انسانية كبيرة ثم نندم على ذلك الانطباع وهناك بعض الأفراد الذين يثقون في فراستهم ويصدقون في أحاسيسهم يكونون ضحية لهذا الانطباع الأول الأمر الذي يجعلهم يخسرون كثيرا من الناس أو القرارات السريعة بينما لو تريث الانسان وأخضع هذه الحسابات للعقل وللتجربة العملية فقد تكون قراراته منطقية أكثر ومرتبطة بالواقع وخاضعة للتقييم العقلي وبعيدا عن الأحاسيس التي لا تخضع لقواعد.